في عام 2006 فوجي العالم بصدور قرار قوي و مفاجئ للجميع يقضي بهبوط فريق يوفنتوس بطل ايطاليا إلى دوري الدرجة الثانية بسبب اتهامه في قضية تلاعب بنتائج المباريات فيما عرف ب الكالتشيوبولي .
أُطلق اسم الكالتشيوبولي على تلك القضية نسبة إلى كلمة Tangentpoli و هي تعني مدينة الرشاوي، وتم إطلاقه على بعض النزاعات القائمة على الفساد في إيطاليا، ولذلك تم تحوير الاسم، ليكون Calciopoli نسبة إلى قضية الفساد و التلاعب في نتائج المباريات .
البداية :
بدأت قصة الكالتشيوبولي بخروج إشعاعتين مختلفتين في عام 2004 إحداهما زعمت أن لاعبي يوفنتوس يتناولون المنشطات و الأخرى زعمت بوجود مراهنات غير شرعية وحكام فاسدون .
تم تشكيل لجان للتحقيق في هاتين الشائعتين من قبل الشرطة الإيطالية .
انتهى التحقيق إلى ان هاتين الشائعتين لا أساس لهما، وتم نفيهما لكن أدت الدلائل التي حصل عليها المحققون إلى فتح قضية أكبر هي أزمة الكالتشيوبولي .
في عام 2006 تقدم قاضي تورينو إلى مسؤولي الكرة الايطالية للتحقيق حول هذا الأمر، لكنه أدرك تورط أحد المسؤولين في القضية التي أراد التحقيق فيها .
كذلك كان سيلفيو بيرلسكوني رئيسا لوزراء إيطاليا في ذلك الوقت ورئيس نادي إي سي ميلان وهو أحد الأندية المتورطة في القضية، لذلك أراد بيرلسكوني ألا يتم فتح التحقيق في القضية بشكل معلن .
لكن قاضي تورينو أخبر الصحافة بالقضية وانتشر اسم الكالتشيوبولي على الصفحات الأولى للجرائد والمجلات .
ظهر دليل مهم من شرائط التسجيلات يشير إلى أن المدير الرياضي ليوفنتوس في ذلك الوقت لوتشيانو مودجي قد تواصل مع أحد مسؤولي لجنة الحكام بالاتحاد الإيطالي لكرة القدم بشكل سري، محاولا التلاعب في نتائج المباريات عن طريق اختيار حكام بعينهم لخدمة نتائج نادي يوفنتوس في الدوري الإيطالي .
و أظهرت التحقيقات مجموعة من أرقام الهواتف التي لا يمكن تعقبها وأموال تم دفعها بشكل سري لصالح بعض الحكام .
كشفت التحقيقات أيضا عن وجود خطة ممنهجة من أجل إعطاء الكروت الصفراء لأفضل لاعبي الأندية على مدار الموسم، وبشكل محسوب حتى يتم إيقاف هؤلاء اللاعبين في مبارايات أنديتهم امام يوفنتوس تحديدا .
تم الكشف عن أن الشخص الذي قاد عمليات التلاعب تلك هو المدير الرياضي ليوفنتوس لوتشيانو مودجي و أتباعه، حيث تم إطلاق اسم ” مودجيوبولي ” على تلك المجموعة نسبة إلى الكالتشيوبولي .
لكن من هو لوتشيانو مودجي ؟
لوتشيانو مودجي المدير الرياضي لنادي يوفنتوس في ذلك التوقيت، وصاحب القوة الكبيرة داخل نادي يوفنتوس، بدأ مسيرته المهنية كمسؤول في في مكتب تذاكر محطة القطار، وكان له صديق يعمل في مجال كرة القدم ككشاف للمواهب في إيطاليا .
ذهب مودجي مع صديقه لمشاهدة بعض المباريات، ومع تميزه بالقدرة على اختيار مواهب كرة القدم، والقدرة على البيع والشراء بحكم عمله، قرر مودجي الاتجاه للعمل في مجال اكتشاف المواهب، وتسويقهم و عمل لصالح نادي يوفنتوس في بداية السبعينات من القرن الماضي .
مع تقدم مودجي في العمل و تفوقه اختار صديقه ليعمل مساعدا معه رغم أنه هو من أدخل مودجي ذلك المجال لكن مودجي كان متميزا عنه في العمل .
في نهاية السبعينات عمل مودجي بجهد كبير ودأب على اكتشاف المواهب، وكوّن شبكة من العلاقات بحكم عمله مع بعض الصحفيين، والسياسيين، ورجال المجتمع .
في بداية الثمانينيات تم اتهام مودجي بالتورط في قضية تلاعب بنتائج المباريات خاصة بفريق لاتسيو .
لكن نجا مودجي من تلك الاتهامات، ولحسن حظه تم تعيينه في عدة أندية مثل روما و تورينو و نابولي قبل أن يعود مرة أخرى إلى يوفنتوس كمدير عام للنادي في عام 1994 .
تشير بعض التقارير إلى أن مودجي كان قادرا بطريقة ما على اختيار حكام لبعض المباريات، والتأثير على لجنة المسابقات في تأجيل بعض المباريات، وتغيير موعدها، وأيضا التأثير على التغطية الإعلامية لكرة القدم في إيطاليا .
بداية التحقيقات في المحكمة :
تم استدعاء بعض الشخصيات من أجل الإدلاء بشهاداتهم حول تلك القضية في المحكمة في مايو 2006 .
أول تلك الشخصيات كان الإيطالي مارشيلو ليبي المدير الفني للمنتخب الإيطالي في ذلك التوقيت، والذي كان يستعد لخوض مباريات كاس العالم في ألمانيا بعد شهر .
حضر ليبي يوم 19 مايو 2006 إلى المحكمة، ووقف أمام القضاة ليجيب عن الإتهامات الموجهة إليه بانه قد تم التأثيرعليه بواسطة مودجي أثناء اختياره اللاعبين المنضمين إلى تشكيلة المنتخب الإيطالي .
تم الادعاء بأن مودجي قد ضغط على مارشيلو ليبي ليقوم باختيار عدد أقل من لاعبي يوفنتوس لتمثيل المنتخب الإيطالي في كاس العالم، وذلك لتجنب وقوع إصابات كثيرة بين لاعبي يوفنتوس، وتجنب المزيد من الإجهاد للاعبين حتى يستطيع الفريق الاستعداد بشكل جيد للموسم الجديد .
لم يتم إثبات تلك التهم على ليبي و لم تتم معاقبته فيما بعد .
تم استدعاء لاعبي يوفنتوس ديفيد تريزيجيه و فابيو كانافارو للإدلاء بشهادتيهما حول تلك القضية في مايو أيضا، حيث غادرا معسكرات منتخباتهم التي تستعد لبطولة كأس العالم 2006 بعد ثلاثة أسابيع من أجل الإجابة عن اسئلة القضاء حول وكالة مودجي للاعبين، والتي كانت متورطة في القضية أيضا .
تم اتهام الحارس الإيطالي جيانلويجي بوفون بالتورط في مراهنات غير مشروعة على مباريات في الدوري الإيطالي لكن تم تبرئته فيما بعد من أي شئ يتعلق ب الكالتشيوبولي
تم توجيه تهمة التهديد بالعنف لأربعة من مسؤولي وكالة مودجي لإدارة أعمال اللاعبين أثناء إبرامهم بعض صفقات انتقال االلاعبين، وتم سؤال كانافارو وتريزيجيه عن صفقتي انتقالهما إلى يوفنتوس .
ظهرت بعض الأدلة التي تفيد بحدوث اتصالات بين مودجي وأحد اشهر معلقي المباريات في إيطاليا فابيو بالداس، حيث يقوم بالداس بمحاولة إظهار حكم مباراة إي سي ميلان و كالياري رودومونتي بشكل سئ متعمدا أثناء تعليقه على اللقاء .
ذكر تقرير أن مودجي رأى أنه من أجل إخفاء أي تحيز من أي حكم لصالح يوفنتوس يجب استخدام الإعلام، حيث يشاهد التلفاز ملايين المتابعين حول العالم و يمكن التاثير على آرائهم من خلال معلق المباراة .
وفقا للمحققين فإن مودجي و بالداس كانا يتحدثان قبل كل حلقة تليفزيونية من أجل مناقشة ما سوف يقال في الحلقة ومن سيتم مدحه ومن سيتم مهاجمته .
لكن ماذا قد يستفيد بالداس من تلك العلاقة والإتفاقية ؟
وفقا لما نشر فإن بالداس سيكون لديه علاقة قوية بنادي يوفنتوس من خلال مودجي، وهو مصدر قوي للمعلومات أيضا .
كذلك فإن مودجي يستطيع أن يساعد بالداس فيما يطلبه من خلال علاقاته الواسعة في مجال كرة القدم .
كذلك يستطيع بالداس استضافة أي لاعب مرتبط بوكالة مودجي للاعبين في برنامجه التليفزيوني .
كل ما سبق كانت وسائل غير مؤثرة بشكل مباشر على نتائج المباريات، لذلك كانت أهم وسيلة يمكن أن يستخدمها مودجي هي حكام المباريات .
كشفت التحقيقات عن وجود محادثات بين مودجي و نائب رئيس لجنة الحكام بالاتحاد الأوروبي و في نفس الوقت رئيس لجنة الحكام الإيطالية لكرة القدم بيرلويجي بايريتو، تشير إلى تفضيل مودجي بعض الحكام على وجه الخصوص من أجل إدارة مباريات يوفنتوس .
هذا الدليل جاء بعد التنصت على محادثات الرجلين، وجاءت بعض التفاصيل صادمة كالتالي :
– في يوم 11 أغسطس 2004 جرت محادثة بين مودجي و بايريتو عبر فيها مودجي عن رفضه لحكم مباراة فريقه في الدوري التمهيدي لدوري أبطال أوروبا امام دجورجاردين السويدي و التي أقيمت قبل يوم واحد من المحادثة حيث قام الحكم بإلغاء هدف لفريق يوفنتوس و انتهى اللقاء بالتعادل 2-2 .
– في يوم 23 أغسطس 2004 وقبل مباراة العودة ليوفنتوس في نفس الدور تحدث الرجلان حول حكم اللقاء المصيري ليوفنتوس و أكد بايريتو لمودجي أن يوفنتوس سوف يفوز بأربعة أهداف مقابل هدف ! و بالفعل فاز يوفنتوس بتلك النتيجة في مباراة العودة .
– المحادثة التالية بين مودجي و بايريتو كانت حول الحكام المرشحين لإدارة لقاء يوفنتوس أمام إي سي ميلان، و في تلك المحادثة طلب مودجي من بايريتو تعيين الحكم تيزيانو بيري لإدارة اللقاء .
بالفعل تم تعيين بيري حكما للقاء يوم 28 اغسطس 2004، وفاز يوفنتوس باللقاء بهدف نظيف .
– المحادثة التالية كانت حول مباراة يوفنتوس وأياكس في افتتاح دور المجموعات من دوري أبطال أوروبا، حيث أخبر بايريتو مودجي أنه سيقوم بتعيين الحكم الألماني ماير لإدارة اللقاء، وبالفعل أدار ماير اللقاء الذي أقيم في هولندا و انتهي بفوز يوفنتوس بهدف نظيف لكن لم يتم اتهام ماير بأي تلاعب في النتيجة .
– كشفت التحقيقات عن محادثات أخرى بين الطرفين و لكن أيضا تم الكشف عن محادثات جرت بين بايريتو و مسؤولين في أندية لاتسيو و إي سي ميلان و فيورنتينا من أجل التأثير على اختيارات الحكام لإدارة مباريات تلك الأندية .
إلى هنا نصل لنهاية الجزء الأول من حكاية الكالتشيوبولي … تابعونا في الجزء الثاني لمعرفة عقوبات الاشخاص، والأندية المتورطين في القضية، وحكم المحكمة النهائي الذي صدر بعد 9 سنوات من القضية .
لقراءة الجزء الثاني :
الكالتشيوبولي .. الأزمة التي أدت إلى هبوط يوفنتوس إلى دوري الدرجة الثانية – الجزء الثاني
اقرأ أيضا :
حوار تخيلي | عبد الحق نوري : ماذا حدث في كرة القدم أثناء غيابي عن الوعي ؟
في ذكرى الحادث .. قصة حادثة ميونيخ و زهور مانشستر … الحلقة الأولى