تيري هنري: السقوط في كابوس الأساطير

تيري هنري: السقوط في كابوس الأساطير

Array
- Advertisement -
- Advertisement -

في وضعية أقل ما يقال عنها كارثية، وبعد عدة تخبطات نجم عنها الإقصاء من دور المجموعات من دوري أبطال أوروبا واحتلال المركز ال18 في جدول ترتيب الدوري الفرنسي، يبدو أن مسؤولية القيادة الفنية لموناكو تحت إمرة المدير الفني الشاب تيري أدريان هنري في بداية تحسسه لمشواره التدريبي خلفاً للبرتغالي المخضرم ليوناردو جارديم تبوء بالفشل بشكل أسرع مما قد يتخيله أسوأ المتشائمين قبيل توليه هذه المسؤولية في الثالث عشر من أكتوبر من العام المنصرم..

المتوج بمونديال 98 لم تسلم بدايته التدريبية من طريق وعر اضطر للسير فيه خلفاً لجارديم الذي ترك الفريق وهو في حالة يرثى لها بعد موسم انتقالات سلبي للغاية بني عليه انطلاقة مهتزة بسبع هزائم وثلاثة تعادلات وفوزاً يتيم للفريق الأحمر والأبيض.

إلا أنه حتى لحظتنا هذه ربما صاحب ال41 عاماً لم يقدم مايشفع له للدفاع عنه.. سواء بعدم لمسه لنقاط القوة والضعف في فريقه مروراً بعدم قدرته على التعامل مع الظروف المحيطة به سواء من الإصابات التي يتعرض لها أعمدة الفريق مراراً وتكراراً طوال الموسم متمثلة في حارس مرمى الفريق دانيل سوباسيتش ومهاجم الجبل الأسود ستيفان يوفيتيتش وبالإضافة للشاب الموهوب روني لوبيس وغيرهم..

وجد هنري نفسه واقفاً ليتحمل تبعيات قرارات إدارة موناكو الخاطئة لسوق الانتقالات، فمروراً بتخليهم عن واحداً تلو الآخر من لاعبيهم المتميزين أمثال كيليان مبابي وبيرناندو سيلفا وتوماس ليمار وفابينيو وغيرهم، إلا أنهم لم يعوضوهم بالشكل الأمثل لسد احتياجات الفريق الفنية بعدما سدوا احتياجات النادي المادية من بيع هؤلاء اللاعبين.

 

ففي سوق الانتقالات الكارثي السابق لم يتعاقد الفريق سوى مع صفقة واحدة كبرى تمثلت في الروسي الشاب الكسندر جولوفين قادماُ من سيسكا موسكو، نعم ربما جولوفين يعتبر جوهرة في مركزه حالياً على مستوى العالم لكن هل وحده يكفي للإستمرار في سباق المنافسة؟!.

قطعاً لا، الأمور لا تسير بالقطعة هكذا في الميدان.. فمهما كانت مهارة اللاعبين الذين قمت بضمهم إلى صفوفك، وحدهم لن يستطيعوا ان يحملوا الفريق إلى منصات التتويج دون مساعدة من باقي الزملاء أو مساعدة من خارج خط التماس.

وهنا بالظبط فشل البرتغالي جارديم في إدارة صفوف الفريق، وتبعه تخبط الديك الفرنسي هنري الذي بلا شك وقع في مصيدة القرارات الخاطئة التي تقع فيها النفس البشرية بطبيعتها الأزلية منذ بدأ الخليقة، فالرجل كان معروضاُ عليه الاستمرار ضمن صفوف المنتخب البلجيكي أو أن يتحسس خطواته الأولى في بيئة مستقرة وهادئة مثل ويست هام يونايتد بإنجلترا، إلا أنه فضل أن يأخذ هذه التركة التالفة و يحاول أن يقوم بمعجزة بعيدة المنال تماماً..

معجزة تحتاج في المقام الأول إلى مدرب متمرس ليستطيع تحقيقها ولديه مخزون من الخبرات يجعله على الأٌقل في خلال 7 مباريات لعبها على أرضه أن يحقق الفوز في مباراة واحدة منهم على الأقل، وهو بالطبع ما لا يملكه الفرنسي الشاب تماماً، فهو ليس لديه أي خبرات في هذا المجال تماماً، وفي نفس الوقت لم يستطع تحقيق أي انتصار على ملعبه في السبع مباريات التي خاضها على أرضه!

هنري منذ توليه لزمام الأمور في صفوف الفريق المتوج بلقب الدوري الفرنسي 2016-2017 لم يستطع أن يضع شكل محدد لنمطية لعب الفريق على أرض الملعب، بل أثار مشكلة كبيرة من عدم الانسجام بين صفوف لاعبيه جعلوه ينتقل للعب مابين 7 تشكيلات خططية على أرض الملعب في ظرف 14 مباراة له مع الفريق بدءاً بخطة ال4-3-2-1 التي بدأ بها هنري عمله مع الفريق في مواجهته أمام ستراسبوج التي تعرض خلالها لهزيمته الأولى في مباراته الترحيبية له مع الفريق بنتيجة 2-1، وصولاً إلى خطة ال 4-4-2 التي اعتمدها في مواجهته الأخيرة أمام غانغون والتي خسرها هي أيضاً بنتيجة هدفين للاشئ.

عدم الإستقرار الفني هو نواة سلبية لأي مدير فني شاب يطمح الخوض في عالم التدريب، خصوصاً ما إذا كان هذا الشاب هو رجل له باع في التحليل في كبرى شبكات التحليل العالمية مثل سكاي سبورتس التى عمل بها هنري فترة ليست بالبسيطة جعلته يري أبسط الأسباب التي جعلت تجارب بعض المدربين تفشل، أبرزها بالطبع كانت تجربة زميله في الكرسي التحليلي جاري نيفيل مع الخفافيش فالنسيا في مطلع عام 2016.

جاري نيفيل كانت له تجربة أقل ماتوصف بأنها تجربة كوميدية وهزلية تماماً مع اللوس تشي، الرجل الذي اعتبره البعض أفضل محلل كروي في العالم، والذي عرف بهجومه على المدربين بشكل منطقي عبر بوابات سكاي سبورتس لم يستطع تطبيق نظرياته وافكاره عن كرة القدم والتدريب في أول محطاته التدريبية في اللعبة.

فسرعان ماوجدناه يضرب بعرض الحائط أهم أساسيات التدريب مثله مثل تيري هنري عندما واجهتهما المشكلات ووجدناه يعبث ويجرب 5 تشكيلات خططية في ظرف ثلاثة أشهر فقط وهي مدة توليه مسؤولية الفريق الفنية.

 

الفارق الجوهري فقط بين كلا المدربين أن جاري نيفيل استطاع تحقيق 10 انتصارات حفظت ماء وجهه نوعاً ما عندما قررت الإدارة التخلص منه في مارس 2016، وهو ما لم يستطع تحقيقه هنري أو الوصول إلى نسبة تجعل أمر حدوثه معقولاً نوعاً ما مستقبلاً من جانب الفرنسي.

 

تجربة جاري نيفيل أثبتت بما لا يدعو مجالاً للشك أن رياضة كرة القدم تحمل في طياتها وظائف متعددة ومتخصصة ومتشعبة وبعيدة كل البعد عن بعضها البعض، و من الطبيعي أن لا يستطيع فرداً متخصص بشكلاً ما فيها أن يلعب كل الأدوار ويبرع بها.

فهنا وجدنا جاري نيفيل واحد من أساطير مانشستر يونايتد و أحد قادتهم التاريخيين يفشل بكل بساطة في أول تجربة فنية له ويقدم عروض مثيرة للإشمئزاز على الرغم من نجاحه الباهر في تحليل مباريات اللعبة وعلى الرغم أيضاً من تاريخه ناصع البياض في ملاعب كرة القدم.

 

وهذا ينقلنا لنقطة أخرى، فأنت كلاعب كل وظيفتك هو سماع كلام مدربك وتنفيذ أفكاره في أرض الملعب، ودورك كمحلل هو أن تجلس لتتابع المباراة من الأعلى لتكون وجهات نظر لتعرضها على المشاهدين بها العديد من الأراء سواء الإيجابية أو السلبية عن كلا العنصرين السابق ذكرهما..

لكن ما فات على نيفيل وهنري في تجربتهما أنهما بجانب براعتهما في الميدان، إلا أنهما لم يستطيعا تطبيق الأفكار النظرية التي طالما حملاها كمحللين كرويين، ولم يستطيعا خلق الأفكار الفنية وعرضها على لاعبيهم كما فعل مدربيهم معهم والتي جعلتهم لاعبين عظماء في الأساس وفقط هذا العامل هو مامهد الطريق لهم للعمل فيما بعد في الاتجاهين التحليلي والفني.

لذلك سواء بعبقرية نيفيل المشهود لها في التحليل، أو بأسلوب هنري المتوسط في المجال النظري إلا أن كلاهما لن يجرؤا بعد ذلك على مهاجمة أحد المدربين بسبب سوء تعامله مع إصابة أحد نجومه في أحد المباريات، أو على تجربته لخطط مختلفة في مباريات متعددة، وبالتأكيد لن يهاجما المدربين بسبب إعتمادهما على أحد اللاعبين دون النظر إلى مستواه الفعلي، فكل هذه النقاط وقعا في مشكلة عدم القدرة على حلها وفشلا فشلاً ذريعاً في إدارتها والتعامل معها.

وعلى الرغم من سوء أداء موناكو حتى الآن وعدم وضوح الملامح الفنية والتدريبية للغزال تيري هنري، إلا أن الموسم مازال مبكراً للحكم على تجربته بالفشل أو بالنجاح مع الفريق، فهو رغم كل ذلك رجل قادم للمضي قدماً في الحفاظ على استقرار الفريق والنجاة من الهبوط في أول تجاربه التدريبية على الإطلاق، نعم نظرياً هذا الكلام لم يتحقق إلا الآن، بالخروج من البطولات الأوروبية والقضاء تماماً على آمل المنافسة على لقب الدوري، إلا أنه نظرياً أيضا الموسم مازال طويلاً لتعويض ما فات موناكو من نقاط والنجاة من صراع الهبوط، ويظل الحكم على مسيرة مدرب من جذور بدايتها هو درب من الجنون.

 

 

تعليقات الفيس بوك

الكاتب

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

اخر الأخبار